هوديني ... الساحر الجاسوس!
بعد 80 عاماً من موته يبقى اسمه مقترناً بأساليب الاختفاء والهروب والخدع السحرية الأكثر غرابة وغموضاً في التاريخ..!
ولأن كل ما هو غامض ومبهم بالنسبة للإنسان العادي يكون مخيفاً في بعض الأحيان، فكان لابد أن تكون لهذا الشخص قصص وروايات كثيرة عن حياته الشخصية ومهنته الغريبة.
إنه هاري هوديني، الذي كانت مهنته تتحدى الموت يوميا،ً فجعلت منه أشهر ساحر عرفه العالم، ولكن بات من الواضح خلال الآونة الأخيرة وحسب العديد من الروايات والكتب الجديدة التي تناولت حياته السرية أنه كان أكثر من مجرد ساحر ُيرفه عن جمهوره!!
ففي أحدث كتاب عن سيرته الذانية اقترح المؤلف أن يكون هوديني قد عمل كجاسوس لدى الشرطة البريطانية (سكوتلاند يارد)، ومراقب لمعارضي الحكومة الروسية، كما قام بمطاردة بعض المزورين لصالح الحكومة الأمريكية... وكل ذلك قبل مقتله مباشرةً!!
السحر.. ستر وغطاء!
(الحياة السرية لهوديني : صناعة بطل أمريكا الأول) هو عنوان الكتاب الذي تم طرحه للبيع اليوم في المكتبات الأمريكية والأوروبية ومنافذ بيع الكتب الإلكترونية، وذلك بمناسبة ذكرى وفاته التي تصادفت هذا العام مع عيد القديسين (الهاللوين).
فقد تتبع كلاً من ويليام كالوش ولاري سلومان، مؤلفا الكتاب، العديد من المعلومات والمصادر التي أدت بهما إلى كتابة 700 ألف صفحة تتضمن سيناريو جديد تماماً لقصة حياة هوديني، الذي استخدم مهنته كغطاء يتستر به على حياته الخاصة كجاسوس يخدم المصالح الأمريكية.
وقد تناول كالوش وسلومان تلك الزاوية من حياته بعد أن استعرضا إحدى المذكرات الخاصة بويليام ميلفيل أحد أشهر الجواسيس الإنجليز والذي ذكر فيه اسم هوديني عدة مرات..!
كان ميلفيل، عندما كان يعمل في الشرطة الإنجليزية (سكوتلاند يارد) في بدايات القرن العشرين، قد ساعد هوديني في إظهار موهبته ومهنته في أوروبا من خلال قدراته على التملص والهروب من أصعب المواقف والمخاطر.
وقد قام ميلفيل بترتيب أول عرض قدمه هوديني عندما تمكن من تخليص نفسه من قيود جاءه بها خصيصاً من سكوتلاند يارد من أجل العرض في أحد المسارح الشهيرة بلندن.
اقترح كتاب كالوش وسلومان الجديد وجود علاقة بين ميلفيل وهوديني من خلال عمله معه كجاسوس، وهو مثل ما حدث في شيكاغو عندما ساعده ملازم من الشرطة في أحد عروضه الجماهيرية والذي قيل أنه كان على صلة وثيقة به..!
تعذيب من أجل الترفيه!
يقول ويليام كالوش : "عندما عثرنا على مذكرة ميلفيل، عرفنا أنه كان على صلة وثيقة بهوديني، كما عرفنا العديد من الحقائق الجديدة والغريبة".
كانت من إحدى الروايات التي ذكرتها السيرة الذاتية، عرض من العروض التي قدمها في بلاكبرن بإنجلترا عام 1902 عندما رفض أن يستسلم لعدم مقدرته على التخلص من قيوده التي أغلقت بأقفال فولاذية مما جعل تملصه منها مستحيل، ولكن بعد ساعتين خرج وسط احتفاء كبير من جماهيره.
وفي اليوم التالي، كما يذكر الكتاب، كانت ذراعاه متورمتان ولونهما أزرق ببشاعة، وكانت أجزاء من لحمهما منزوعة، وذلك بسبب قوة الأقفال التي جعلت من تقطيعه للحم ساعديه الحل الوحيد للخروج من أسره.. فهل كانت هذه الألعاب تسلية وترفيه للجمهور..!!
عرف هوديني كبطل قومي، وهو ما اعتبره الكتاب مجرد خرافة.
ويقول كالوش أن تلك الخرافة حجبت الضوء عن هوديني الإنسان، ويكمل معلقاً : "هو مجرد إنسان مثلنا، فإذا كان قادراً على أن يهزم كل الصعوبات، فنحن قادرين على نهزم بعضها".
من الأشياء الجديدة التي كشفها الكتاب أيضاً هي مطاردة هوديني المستمرة للجماعات الروحانية ومحاولة كشف حقيقتهم وفضح زيفهم، والذي كان أرثر كونان دويل (مؤلف روايات شرلوك هولمز) من ضمن المؤيدين لقضيتهم، وهو في الغالب ما تسبب في موته،
فكانت تلك الجماعة تؤمن بالتواصل مع الموتى، في حين رأى هوديني أنهم مجرد مجموعة من المخادعين والدجالين.
لكمتين في البطن .. يوجعوا!
تعاون هوديني مع زوجته بياتريس في مطلع القرن العشرين على كشف الوسطاء المزيفين وأيضاً الفنانين الذين سرقوا أساليبه الخداعية في الهروب والتملص من القيود ونسبوها إلى أنفسهم.
كان لا يخاف من الظهور في عروض هؤلاء النصابين والصراخ في وجوههم قائلاً : "هذا عملي أنا وأدائي الخاص الذي تقوم به، فلماذا لا تجرب خدعة أخرى؟".
ويروي الكاتبان حادثتين وقعا لهوديني في أكتوبر عام 1926، حيث لكمه أحد طلاب الجامعات لكمة قوية في بطنه أثناء تواجده في غرفة تغيير ملابسه، ومرة أخرى في نفس الشهر عن طريق شخص مجهول في أحد الفنادق..!
ويقترح الكتاب الجديد أن تكون الجماعات الروحانية هي من قامت بتنظيم تلك الهجمات والتي مات بعدها مباشرةً بإحدى المستشفيات بدترويت، وأعتقد الكثيرون وقتها أن عصر خدع الهروب وقهر القيود قد انتهى، ولكن، وكما اكتشف المؤلفان، لم تنتهي أسطورة ذلك الرجل الذي كان أكثر من مجرد ساحر..بل كان رمزاً للرجل الذي كان يحارب السلطة وحيداً.
وفي النهاية، ليس هاري هوديني هو الشخص الوحيد الذي كان يعمل في مجال الفن والعروض، ثم اتضح بعد ذلك أنه كان مجرد ستار يخفي أشياء كثيرة خلفه..أقلها الجاسوسية..!!
هذا الكتاب تم نشره اليوم في الأسواق الإلكترونية بسعر 19 دولار على موقع أمازون وعدد صفحاته 700 ألف متضمنة صور نادرة جداً ولم تنشر من قبل.
وكعادة الكتب الجديدة التي تتعلق بحياة هؤلاء، فهي وإن كانت تكشف أو لا تكشف جديداً، فهي دائماً مثيرة..غامضة..ومقروءة بكثرة..!